أخبار مهمةخطبة الأسبوعخطبة الجمعةخطبة الجمعة القادمة ، خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف المصرية مكتوبة word pdfعاجل

خطبة الجمعة القادمة بعنوان : إنسانية الحضارة الإسلامية ، للدكتور محمد حرز

خطبة الجمعة القادمة بعنوان : إنسانية الحضارة الإسلامية ، للدكتور محمد حرز ، بتاريخ 28 ربيع الآخر 1443هـ ، الموافق 3 ديسمبر 2021م.

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 3 ديسمبر 2021م بصيغة word بعنوان : إنسانية الحضارة الإسلامية، للدكتور محمد حرز.

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 3 ديسمبر 2021م بصيغة pdf بعنوان : إنسانية الحضارة الإسلامية، للدكتور محمد حرز.

 

 

عناصر خطبة الجمعة القادمة 3 ديسمبر 2021م بعنوان : إنسانية الحضارة الإسلامية.

 

أولاً: حضارتُنَا الإسلاميةُ ربانيةٌ عالميةٌ إنسانيةٌ.

ثانيًا: من مظاهرِ حضارتِنَا  .

ثالثًا: أين نحن مِن حضارتِنا الإسلاميةِ ؟

 

ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 3 ديسمبر 2021م  بعنوان : إنسانية الحضارة الإسلامية : كما يلي:

 

خطبة الجمعة القادمة بعنوان : إنسانية الحضارة الإسلامية

 

الحمدُ للهِ القائلِ في محكمِ التنزيلِ ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ  ﴾ (النساء: 1) ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وليُّ الصالحين وَأشهدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وصفيُّهُ من خلقهِ وخليلُهُ ؛ اِعْتَزَّ بِاللهِ تَعَالَى ربًّا، وَفَاخَرَ بِالْإِسْلَامِ دينًا، وَعَلَّمَ أَصْحَابَهُ الْفَخْرَ بِهِ، وَلَمَّا قَالَ قَائِلُ الْمُشْرِكِينَ أبو سفيان يومًا بعدَ غزوةِ أحد: اُعْلُ هُبَلْ، قَالَ: اللهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ ، وَلَمَّا قَالُوا: لَنَا الْعُزَّى وَلَا عُزَّى لَكُمْ، قَالَ: “اللهُ مَولَانَا وَلَا مَوْلَى لَكُمْ “(البخاري) فاللهم صلِّ وسلمْ وزدْ وباركْ على النبيِ  المختارِ وعلى آلهِ وأصحابِهِ الأطهارِ الأخيارِ وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ.   أما بعدُ ….. فأوصيكُم ونفسي أيُّها الأخيارُ بتقوى العزيزِ الغفارِ { وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ.} ) الْبَقَرَةِ: 281)

أيها السادةُ: ((إنسانيةُ الحضارةِ الإسلاميةِ  )) عنوانُ وزارتِنَا وعنوانُ خطبتِنَا

عناصرُ اللقاءِ:

أولاً: حضارتُنَا الإسلاميةُ ربانيةٌ عالميةٌ إنسانيةٌ.

ثانيًا: من مظاهرِ حضارتِنَا  .

ثالثًا: أين نحن مِن حضارتِنا الإسلاميةِ ؟

أيها السادةُ : بدايةً ما أحوجَنَا في هذه الدقائقِ المعدودةِ إلى أنْ يكونَ حديثُنَا عن إنسانيةِ حضارتِنَا الإسلاميةِ وخاصةً ونحن نعيشُ زمانًا أصبحَ الإنسانُ فيه بلا قيمةٍ ولا وزنٍ ولا احترامٍ ولا رحمةٍ ولا شفقةٍ إلا ما رحمَ اللهُ جلّ وعلا وخاصةّ وأنّ الإنسانَ من أهمّ قيمِ ومبادئِ ومظاهرِ الحضارةِ الإسلاميةِ .

أولًا: حضارتُنَا الإسلاميةُ ربانيةٌ عالميةٌ إنسانيةٌ.

أيها السادةُ : الحضارةُ الإسلاميةُ هي ما قدمَهُ الإسلامُ للمجتمع البشرىِّ من قيمٍ ومبادئٍ، وقواعدٍ ترفعُ من شأنِهِ، وتمكنُهُ من التقدمِ في الجانبِ الماديِّ وتيسِّرُ الحياةَ للإنسانِ.

والفردُ هو اللبنةُ الأولى في بناءِ المجتمعِ، وإذا صلحَ الفردُ صلحَ المجتمعُ كلُّهُ، وأصبحَ قادرًا على أنْ يحملَ مشعلَ الحضارةِ، ويبلغَهَا للعالمين، ومن أجلِ ذلك جاء الإسلامُ بتعاليم ومبادئ تُصْلِحُ هذا الفردَ، وتجعل حياتَهُ هادئةً مستقرةً، وأعطاهُ من المبادئِ ما يُصلِحُ كيانهُ وروحهُ وعقلهُ وجسدهُ.

والحضارةُ الإسلاميّةُ هي الحضارةُ الوحيدةُ الّتي أقامَها دينٌ واحدٌ، إلّا أنّها كانت موجهةً لجميع الأديانِ، وحضارتُنَا الإسلاميّةُ  حضارةٌ ربانيةٌ تقومُ على عقيدةِ التّوحيدِ ومصدرُهَا الوحيُ قال جلّ وعلا: (صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ) [البقرة: 138] ، وحضارتُنَا الإسلاميّةُ حضارةٌ إنسانيّةٌ في هدفِها، وعالميّةٌ في رسالتِها،  وحضارتُنَا الإسلاميّةُ حضارةٌ أخلاقيّةٌ في كلِّ نظمِها،  وحضارتُنَا الإسلاميّةُ حضارةٌ قائمةٌ على العلمِ في أدقِّ أصولِهِ،  وحضارتُنَا الإسلاميّةُ قائمةٌ على التّسامحِ الدّينيِّ، وحضارتُنَا الإسلاميّةُ حضارةٌ صالحةٌ لكلِّ زمانٍ ومكانٍ.

ويكفي حضارةُ الإسلامِ شرفًا وعزًا أنّها راعتْ العقلَ وأعملتْهُ ومنحتْ كلَّ فردٍ من أفرادِها قيمةً ومكانةً،  وحضارتُنَا  الإسلاميةُ  هي أسمى الحضاراتِ وأخلدُهَا.

ويكفي حضارةُ الإسلامِ شرفًا وعزًا أنّها رسمتْ للبشريةِ طريقَ المحبةِ والإخاءِ  والعدلِ والمساواةِ  وكيف لا؟ واللهُ جلّ وعلا يقولُ ((كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ))  (آل عمران: 110) .

ويكفي حضارةُ الإسلامِ شرفًا وعزًا أنها حَضَارَةٌ لَمْ تُفْسِدْ الْاِقْتِصَادَ بِالرِّبَا وَالْقِمَارِ، وَلَمْ تَخْنُقِ الفُقَرَاءَ بِالْغِشِّ وَالْاِحْتِكَارِ، وَرَاعَتْ حَاجَةَ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ، وَالْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ، وَالْقُوِيِّ وَالضَّعِيفِ، وَالرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، وَالْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ، فَأَعْطَتْ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ بَلَا زِيادَةٍ وَلَا بَخسٍ مَرَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْه- بِشَيْخٍ مِنْ أهْلِ الذِّمَّةِ يَسْأَلُ عَلَى أَبْوَابِ النَّاسِ فَقَالَ: مَا أَنْصَفْنَاكَ أَنْ كُنَّا أَخَذْنَا مِنْكَ الْجِزْيَةَ فِي شَبِيبَتِكَ ثُمَّ ضَيَّعْنَاكَ فِي كِبَرِكَ، ثُمَّ أَجْرَى عَلَيه مِنْ بَيْتِ الْمَالِ مَا يُصْلِحُهُ. فأين أدعياءُ الحضارةِ من حضارةِ الإسلامِ ياسادة؟

  فأين الحضارةُ: يا مسلمون في الشرقِ والغربِ أم في نبيِّ الإسلامِ صلى اللهُ عليه وسلم ؟ القائلِ كما في حديثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: دَخَلَتْ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا فَلَمْ تُطْعِمْهَا وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ متفق عليه. وأين جمعياتُ الرفقِ بالحيوانِ من كلام سيّدِ الأنامِ صلى اللهُ عليه وسلم ؟

أين الحضارةُ يا مسلمون في الشرق والغربِ أم في نبيِّ الإسلامِ صلى اللهِ عليه وسلم؟ القائلِ كما في حديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: بَيْنَا رَجُلٌ يَمْشِي فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ فَنَزَلَ بِئْرًا فَشَرِبَ مِنْهَا ثُمَّ خَرَجَ فَإِذَا هُوَ بِكَلْبٍ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنْ الْعَطَشِ فَقَالَ لَقَدْ بَلَغَ هَذَا مِثْلُ الَّذِي بَلَغَ بِي فَمَلَأَ خُفَّهُ ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ ثُمَّ رَقِيَ فَسَقَى الْكَلْبَ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ أَجْرًا قَالَ فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌرواه البخاري

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: غُفِرَ لِامْرَأَةٍ مُومِسَةٍ مَرَّتْ بِكَلْبٍ عَلَى رَأْسِ رَكِيٍّ يَلْهَثُ قَالَ كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ فَنَزَعَتْ خُفَّهَا فَأَوْثَقَتْهُ بِخِمَارِهَا فَنَزَعَتْ لَهُ مِنْ الْمَاءِ فَغُفِرَ لَهَا بِذَلِكَ رواه البخاري

أم في الشرقِ والغربِ الذين قتلوا الأطفالَ والشيوخَ والنساءَ ؟

 لذا الْفَرَحُ بِالْإِسْلَامِ، وَالْفَخْرُ بِالْاِنْتِسِابِ لِحَضَارَتِهِ لَيْسَ لِأَنَّنَا وُلِدْنَا فِيهَا، وَلَا لِأَنَّ آبَاءَنَا وَأَجْدَادَنَا كَانُوا مِنْ أَهْلِهَا، وَلَكِنْ لِأَنَّ دِينَ الْإِسْلَامِ هُوَ دِينُ الْحَقِّ، وَحَضَارَتَهُ حَضَاَرةُ الرَّحْمَةِ وَالْعَدْلِ، والشورى واحترامِ الإنسان ِكإنسانِ ،فَالْاِعْتِزَازُ بِهَا اِعْتِزازٌ بِالْإِسْلامِ، وَالْاِعْتِزَازُ بِالْإِسْلامِ اِعْتِزَازٌ بِالْعُبُودِيَّةِ الْحَقَّةِ لِذِي الْعِزَّةِ وَالْجَبَرُوتِ وَالْمَلَكُوتِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظْمَةِ: سبحانَهُ جلّ شأنه  قال ربُّنا: ((إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا) ((يُونِسٌ: 65)، قال ربنا: ((وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) ((الْمُنَافِقُونَ: 8) .فاسجدْ لربِّكَ شكرًا على أنْ جعلَك لتكونَ من أمةِ الإسلامِ وقُلْ بصوتٍ مرتفعٍ كما قال سلمانُ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه ـ  :    

أبي الإسلامُ لا أبَ لي سواه ***إذا افتخروا بقيسٍ أو تميمِ

العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة بعنوان إنسانية الحضارة الإسلامية

 

ثانيًا: مِن مظاهرِ حضارتِنا الإنسانيةِ .

أيها السادةُ : حضارتُنَا الإسلاميةُ حضارةٌ غنيةٌ بمظاهرِها وخصائصِها وكيف لا؟ وهي حضارةُ الإسلامِ وحضارةُ النبيِّ المختارِ صلى اللهُ عليه وسلم ومصدرُهَا القرآنُ والسنةُ، حضارةٌ تراعي عاداتِ المجتمعِ ولكن يجبُ ألّا تُخالف هذه العاداتُ والتقاليدُ الدّينَ والشرع َ،حضارةٌ شاملةٌ: فتشملُ أحكامُهَا الدُّنيا والآخرةَ والكونَ بأكملهِ،حضارةٌ من شأنِها أنَّها تجمعُ ولا تفرقُ تبني ولا تهدمُ تسودُ ولا تجورُ ترفعُ ولا تسقطُ ليتحققَ الأمنُ والأمانُ والطمأنينةُ والاستقرارُ ليعمَّ السلامُ والخيرُ للناسِ جميعًا. من مظاهرِ الحضارةِ الإسلاميةِ  على سبيل المثالِ لا الحصر :

أنّها حضارةٌ إنسانيةْ : فتكرم الإنسانَ وتخدمه، فقال ربُّنا  { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا }(سورة  الإسراء:70). وروى ابنُ ماجه في سننهِ أنّ عَبْدَ اللَّهِ بْن عُمَرَ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ وَيَقُولُ: «مَا أَطْيَبَكِ وَأَطْيَبَ رِيحَكِ مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَحُرْمَةُ الْمُؤْمِنِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ حُرْمَةً مِنْكِ مَالِهِ وَدَمِهِ وَأَنْ نَظُنَّ بِهِ إِلاَّ خَيْرًا(( بل وقضت حضارتُنَا على الفروقاتِ الجنسيّةِ والتفريقِ العنصريِّ لتحل محلهُمَا الأخوَّةُ الإنسانيّةُ، فلا فرقَ بين شرقيٍّ أو غربيٍّ أو عربيٍّ أو أعجمي، فجاءت رسالةُ الإسلامِ عالميةً لجميعِ الأُممِ والشعوبِ، ودعتْ إلى عالمٍ تسودُ فيه العدالةُ، والحريةُ، والطمأنينةُ، والسلامُ. فالناسُ سواسيةٌ كأسنانِ المشطِ، وإنما معيارُ التفاضلِ التقوى والعملُ الصالحُ، قال اللهُ جلّ وعلا: ﴿ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ (سورة الحجرات : 13). وعن جابرِ بن عبدِاللهِ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ـ  أنّ رسولَ الهدى -صلى اللهُ عليه وسلم- قال: “يا أيُّها النَّاسُ إنَّ ربَّكمْ واحدٌ، وإنَّ أباكمْ واحدٌ، ألا لا فَضلَ لعربيٍّ على عَجميٍّ، ولا لعَجميٍّ على عَربيٍّ، ولا لأحمرَ على أسوَدَ، ولا لأسوَدَ على أحمرَ، إلَّا بالتَّقوَى، إنَّ أكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أتْقاكُمْ، ألا هل بلَّغتُ؟ قالوا: بلَى يا رسولَ اللهِ قال: فلْيُبلِّغِ الشاهدُ الغائبَ)) ولما مرَّتْ جنازةٌ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقام، فقيل: إنّه يهوديٌّ؟!‏ فقال: ((أليسَتْ نفسًا؟))رواه مسلم أنّها حضارةُ الإسلامِ يا سادة

ومن مظاهرِهَا : أنها أقرتْ حريةَ الاعتقادِ لكلِّ إنسانٍ قال جلّ وعلا: ((لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)) (البقرة:256 )  وقال تعالى مخاطبًا رسولَهُ الكريم – صلى اللهُ عليه وسلم -: ﴿ فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ ﴾ (الغاشية:21 ،22) .وقال سبحانه: ﴿ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾ (الكهف: 29) وقال تعالى: ﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ﴾(يونس: 99 ) إنّها حضارةُ الإسلامِ ياسادة.

ومن مظاهرِهَا : أنها جاءت رحمةً للعالمين ورحمةً بالضعفاءِ والمساكين ورحمةً بالكبارِ وذوي الاحتياجاتِ الخاصةِ للمسلمين وغيرِ المسلمين وكيف لا؟ واللهُ خاطبَ نبيَّهُ صلى اللهُ عليه وسلم بقولهِ  ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (سورة الأنبياء:107 )  ، ويتجلّى ذلك واضحًا من خلال هذا الموقفِ من نبيِّ الرحمةِ محمدٍ صلى اللهُ عليه وسلم ، وكيفيةِ التعاملِ مع الضعفاءِ ولينِ الجانبِ لهم: فعَنْ جَابِرٍ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه ـ  قَالَ : لَمَّا رَجَعَتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ مُهَاجِرَةُ الْبَحْرِ ، قَالَ : أَلاَ تُحَدِّثُونِي بِأَعَاجِيبِ مَا رَأَيْتُمْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ ؟ قَالَ فِتْيَةٌ مِنْهُمْ : بَلَى ، يَا رَسُولَ اللهِ ، بَيْنَا نَحْنُ جُلُوسٌ مَرَّتْ بِنَا عَجُوزٌ مِنْ عَجَائِزِ رَهَابِينِهِمْ ، تَحْمِلُ عَلَى رَأْسِهَا قُلَّةً مِنْ مَاءٍ ، فَمَرَّتْ بِفَتًى مِنْهُمْ ، فَجَعَلَ إِحْدَى يَدَيْهِ بَيْنَ كَتِفَيْهَا ، ثُمَّ دَفَعَهَا فَخَرَّتْ عَلَى رُكْبَتَيْهَا ، فَانْكَسَرَتْ قُلَّتُهَا ، فَلَمَّا ارْتَفَعَتِ الْتَفَتَتْ إِلَيْهِ ، فَقَالَتْ : سَوْفَ تَعْلَمُ يَا غُدَرُ إِذَا وَضَعَ اللَّهُ الْكُرْسِيَّ ، وَجَمَعَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ ، وَتَكَلَّمَتِ الأَيْدِي وَالأَرْجُلُ ، بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ، فَسَوْفَ تَعْلَمُ كَيْفَ أَمْرِي وَأَمْرُكَ عِنْدَهُ غَدًا. قَالَ : يَقُولُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ : صَدَقَتْ ، صَدَقَتْ كَيْفَ يُقَدِّسُ اللَّهُ أُمَّةً لاَ يُؤْخَذُ لِضَعِيفِهِمْ مِنْ شَدِيدِهِمْ ؟رواه ابن ماجه وقال صلى اللهُ عليه وسلم:” إنَّما يَنصرُ اللَّهُ هذِهِ الأمَّةَ بضَعيفِها، بدَعوتِهِم وصَلاتِهِم ، وإخلاصِهِم رواه النسائي، فحضارتُنَا حضارةُ الرحمةِ والاحترامِ وكيف لا؟ ونبيُّنَا صلى اللهُ عليه وسلم يقولُ كما في حديثِ عبدِ اللهِ بن عمرو رضي اللهُ عنهما قال: قال رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم(( الرَّاحِمونَ يرحَمُهم الرَّحمنُ تبارَك وتعالى؛ ارحَموا مَن في الأرضِ يرحَمْكم مَن في السَّماءِ )رواه الترمذي.وصدقَ نبيُّنَا صلى اللهُ عليه وسلم إذ يقول  كما في حديثِ أنسِ بن مالكٍ رضي اللهُ عنه: ((ليس منا من لم يرحمْ صغيرَنا ، ويُوَقِّرْ كبيرَنا) رواه أبو داود والترمذي

بل  من مظاهرِهَا : أنّ إنسانيةَ الحضارةِ الإسلاميةِ لم تقفْ عند حدودِ التعاملِ مع البشرِ بل تجاوزتْ ذلك كلَّه إلى الحيوانِ والبهيمةِ، فعن عبد اللهِ بن جعفر رضي اللهُ عنهما أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم  دخلَ حائطًا لرجلٍ من الأنصارِ، فإذا فيه جملٌ فلما رأى النبيَّ صلى الله عليه وسلم  حنّ وذرفتْ عيناهُ فأتاه صلى الله عليه وسلم  فمسحَ ظفراهُ فسكت، فقال صلى الله عليه وسلم  : من ربُّ هذا الجملِ؟ لمن هذا الجمل؟ فجاء فتى من الأنصارِ فقال: لي يا رسولَ اللهِ، فقال له : أَفَلَا تَتَّقِي اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَ اللَّهُ إِيَّاهَا فَإِنَّهُ شَكَا إِلَيَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ ‏‏ وَتُدْئِبُهُ )) (أبو داود)، ( وَتُدْئِبهُ: أَيْ تُكْرِههُ وَتُتْعِبهُ وَزْنًا وَمَعْنًى)، وعن عبد الرحمنِ بن عبد اللهِ بن مسعود رحمه اللهُ عن أبيهِ قال: كنَّا معَ رسولِ اللَّهِ في سفَرٍ فانطلقَ لحاجتِهِ فرأَينا حُمَّرةً معَها فرخانِ فأخَذنا فرخَيها فجاءت تعرِشُ فجاءَ النَّبيُّ فقالَ : مَن فجعَ هذِهِ بولدِها ؟ ردُّوا ولدَها إليها. ورأى قريةَ نملٍ قد حرَّقناها. فقالَ : مَن حرَّقَ هذِهِ ؟ قُلنا : نحنُ قالَ : إنَّهُ لا ينبَغي أن يعذِّبَ بالنَّارِ إلَّا ربُّ النَّارِ))رواه أحمد اللهُ أكبرُ أنّها حضارةُ الإسلامِ يا سادة.

إلهِي لَسْتُ لِلْفِرْدَوْسِ اَهلاً***وَ لاَ اَقْوَي عَلَي النَّارِ الْجَحِيْمِ
فَهَبْ لِي تَوْبَةً وَ اغْفِرْ ذُنُوْبِي*** فَاِنَّكَ غَافِرُ الذَنْبِ الْعَظِيْمِ
وَ عَامِّلْنِي مُعامَلةً الْكَرِيْمِ ***وَ ثَبِّتْنِي عَلَي النَّهْج الْقَوِيْمِ

أقولُ قولي هذا واستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم

الخطبةُ الثانية الحمدُ للهِ ولا حمدَ إلا لهُ وبسم اللهِ ولا يستعانُ إلا بهِ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ  …………………… وبعدُ

العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة بعنوان إنسانية الحضارة الإسلامية

ثالثًا: أين نحنُ من حضارتِنَا الإسلامية ؟

أيها السادة: إنّ حضارةَ الإسلامِ ليستْ مجردَ كلامٍ أو شعاراتٍ أو فلسفةٍ أو خطبٍ رنانةٍ  بل لابدّ أنْ نحولهَا إلى واقعٍ وإلى منهجِ حياةٍ لتعلمَ الدنيا كلُّهَا، إنّ حضارةَ الإسلامِ كلَّهَا عدلٌ كلّهَا رحمةٌ كلَّها شورى كلَّها مساواةٌ ، كلَّها أمانٌ كلَّها سلامٌ كلَّها خيرٌ ولن يكونَ هذا بالكلامِ وإنما بالفعلِ

فأين نحنُ من أخلاقِ الإسلامِ في التعاملِ مع جيرانِنَا ومع الناسِ في كلِّ مكانٍ ؟

أين نحنُ من العدلِ الذي شرعَهُ الإسلامُ ونبيُّ الإسلام صلى اللهُ عليه وسلم ؟

أين نحنُ من تحقيقِ مبدأِ المساواةِ في جميع حياتِنَا ؟

أين نحنُ من تحقيقِ مبدأِ الشورى الذي أرستْهُ حضارةُ الإسلامِ؟

أين نحنُ من حضارةٍ تدركُ قيمةَ الزَّمنِ: فقد حثَّ الرسولُ صلّى اللهُ عليه وسلّم على الاهتمامِ بقيمةِ الوقتِ والزَّمنِ، فالإنسانُ سيُسألُ عن عُمرهِ فيما أفناه، وعلمِه فيما عملَ به، ومالهِ كيف كسبَهُ وكيف أنفقَهُ، وجسدهِ فيما أبلاه؟ فعن أبي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ  ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه ـ  قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :” لا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ: عَنْ عُمْرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ جَسَدِهِ فِيمَا أَبْلاهُ، وَعَنْ مَالِهِ فِيمَا أَنْفَقَهُ وَمِنْ أَيْنَ كَسَبَهُ،وَعَنْ عَلِمهِ مَاذَا عَمِلَ فِيهِ؟(الترمذي)

أين نحنُ من حريةِ الاعتقادِ وحريةِ الفكرِ التي لا تتعارضُ مع حضارةِ الإسلامِ ؟

أين نحنُ من الرحمةِ بالناس كما علمنا نبيُّ الإسلامِ صلى اللهُ عليه وسلم ؟

فهذه بَغِيَّةٌ على عهد بنيِ إسرائيل رأتْ كلبًا يلهث عطشًا فسقتْ المرأةُ  الكلبَ فغفرَ اللهُ لها الذنوبَ وللهِ درّ القائلِ :

إذا كانت الرحمةُ بالكلاب  ***      تغفر الخطايا للبغايا

فكيف تصنعُ الرحمةُ      ***       بمن وحَّدَ ربَّ البرايا

فاللهَ اللهَ في حضارةِ الإسلامِ اللهَ اللهَ في التخلقِ بأخلاقِ الإسلامِ اللهَ اللهَ في تصديرِ حضارتِنَا إلى الدنيا كلِّها اللهَ اللهَ في الرحمةِ والعدلِ والمساواةِ والشورى اللهَ اللهَ في فهمِ حريةِ الاعتقادِ .

حفظ اللهُ مصرَ من كيدِ الكائدين، وشرِّ الفاسدين وحقدِ الحاقدين، ومكرِ الـماكرين، واعتداءِ الـمعتدين، وإرجافِ الـمُرجفين، وخيانةِ الخائنين.

كتبه العبد الفقير إلى عفو ربه

                                                                                              د/ محمد حرز

  إمام بوزارة الأوقاف

 

 

 _______________________________

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة

 

تابعنا علي الفيس بوك

 

الخطبة المسموعة علي اليوتيوب

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات

 

للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

للمزيد عن مسابقات الأوقاف

 

اظهر المزيد

كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: [email protected] رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »